إنتهينا من قصة آدم عليه السلام وسنبدأ اليوم قصة نوح عليه السلام. ماهو الفارق الزمنى بين سيدنا آدم وسيدنا نوح؟ الفارق الزمنى بينهما هو عشرة قرون، والدليل على ذلك هو حديث النبى صلى الله عليه وسلم الذى رواه مسلم وفيه أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم: " ... يا رسول الله، أنبيا كان آدم؟ قال: نعم، مكلم. قال: كم كان بينه وبين نوح؟ قال عشرة قرون..." والآن نحن فى حاجة إلى فهم معنى كلمة "قرون"، هل المقصود من القرن هو مائة عام أم المقصود به هو جيل؟ لأن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "خير القرون قرنى ... " أى جيلى، فإذا كان المقصود من القرن هو مائة عام فإن الفارق الزمنى بينهما يصبح ألفا من الأعوام، أما إذا كان المقصود من القرن جيل مع العلم أن عمر الإنسان فى هذا الوقت كان طويلا وكان يمتد إلى خمسمائة أو ثمانمائة أو تسعمائة عام فسيمتد الفارق الزمنى بينهما ليصبح ثمانمائة ألفا من الأعوام. وما هى أهمية معرفة الفارق الزمنى بينهما؟ معرفة الفارق الزمنى بينهما شيء شديد الأهمية لأنه هناك حديث آخر عن النبى صلى الله عليه وسلم رواه البخارى وفيه: "كان بين آدم وبين نوح عشرة قرون كلهم على الإسلام" والمهم هنا جملة "وكلهم على الإسلام"، فما معنى ذلك؟ المعني هو أنه فى البداية كانت الأرض كلها فى عبودية لله سبحانه وتعالى، أى أن الأرض عاشت ثمانمائة ألفا من الأعوام كاملة أجيالا وراء أجيال فى طاعة لله رب العالمين، يعلم أهلها أنهم خلفاء الله فى الأرض يصلحونها ويعبدونه فيها، ولذلك لم يبعث الله سبحانه وتعالى فى هذه الفترة الزمنية إلا نبيا واحدا وهو سيدنا إدريس عليه السلام لأن الأنبياء يرسلون عندما تنحرف الأرض عن طريق الله تبارك وتعالى. فما الذي حدث للأرض بعد ذلك؟! هل كلما إزداد أهل الأرض مالا وعلما تكبروا على خالقهم؟! وهل كلما إزداد ابن آدم علما جحد خالقه مع أن المفترض للعلم أن يزيد صاحبه تقربا إلى الله سبحانه ونعالى. هل علمتم الآن ما هى أهمية السؤال عن طول الفترة الزمنية بين سيدنا آدم وسيدنا نوح عليهما السلام؟ لأن هذا يعنى أن الأرض لم تكن فى حاجة إلى أنبياء لأن أهلها كانوا على خير. لا يخفى على أحد أن الأرض فى زماننا هذا ليست على خير، فهل نحن مسئولون على أننا لم نأخذ بيد الأرض لنصلحها وها أنا أقول لكم: "لو أن الأرض كلها تكبرت على الله فلن نتكبر نحن أبدا إن شاء الله، لأننا منذ أن بدأ شهر رمضان ونحن ندعوا بعضنا البعض إلى التذلل لخالق الكون الله تبارك وتعالى مهما كنا أغنياء أو ذوى مقامات رفيعة."
يمكنك أن تعرف هل إذا ما كانت الأرض على خير أم لا بوجود أنبياء فيها أو بعدم وجودهم، ولذلك فإن إفتخار بني إسرائيل بكثرة أنبيائهم ليس فى محله لأن هذا يعنى أنهم كانوا دائما فى حاجة إلى وجود أجيال وراء أجيال من الأنبياء بينما محمد قد كفى أمته إلى يوم القيامة. والسؤال التالى هو أننا إذا إعتقدنا أن سبب حاجة الأرض إلى الأنبياء هو إنحراف أهلها، فتكون الأمة الآن فى حاجة إلى نبى بينما كلنا يعلم أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء ولكننا يجب أيضا أن نعلم أن للأمة محمد صلى الله عليه وسلم خصوصيتها وهى أنها كلها تقوم بدور سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من بعد وفاته أى أنها كلها مسئولة عن الدين، ولذلك قال الله سبحانه وتعالى لهم مات نبيكم العظيم ولكن منهجه محفوظ ودوركم هو أن تقلدوا نبيكم وبهذا تقوموا أنتم مكان الأنبياء فكلكم مسئولون عن الدين وليس علماء الأزهر بمفردهم أو الشيوخ أومن يمتلك القدرة على التحدث فى الدين بل كلكم مسئولون عن الإسلام وكل فرد فيها مسئول حتى ولو أنه لا يعرف إلا آية واحدة ينقلها إلى غيره فكانت هذه هى مسئولية هذه الأمة التى سيختم بها الأرض وكان هذا هو مراد الله سبحانه وتعالى ومن أجل هذا كان محمد خاتم النبيين.
شرف الله سبحانه وتعالى أمة محمد وكلفها بمهمتين عظيمتين سيسئل كل واحد منا عنهما يوم القيامة. المسئولية الأولى هى تشريف وتكريم الله لهذه الأمة لتقوم مقام الأنبياء ومن ثم أصبحت الأمة مسئولة عن الإسلام فى الأرض. أما المسئولية الثانية فهى إعمار وإصلاح الأرض فقال الله سبحانه وتعالى: (...ِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ...) (البقرة:30). والسؤال الآن هو هل حمل المسلمون المهمتين التى حملهما إياهم رب العالمين؟ المسلمون قصروا فى تحمل كلتا المهمتين واعلم أنك إذا لم تؤد هذين التكليفين فإن حسابك سيكون عسيرا يوم القبامة لأنك خلقت من أجل هذا وأوجدك الله من أجل هذا أى من أجل أن تصلح الأرض وأن تتحمل مسئولية الإسلام. هل تتخيل الدور الرهيب الذى أنت مسئول عنه؟! لا تقل: "لا أعرف القدر الكافى من العلم لكى أدع الناس إلى الإسلام." ولتتفكر هل كان سيدنا أبو بكر الصديق لديه الكثير من العلم حين قام بدعوة سبعة من العشرة المبشرين بالجنة؟! ولتتفكرأيضا هل كان سيدنا أبو بكر الصديق يعرف أكثر منك أنت شخصيا؟ لا، لأنه عندما دعاهم كان عمره يوما واحدا فقط فى الإسلام ولكنه كان يمتلك روحا تشعر بالغيرة والإنتماء والحب للإسلام فعلم أنه مسئول عن الإسلام وقدر هذه المسئولية بحقها، فهل تشعر أنت بهذه المسئولية العظيمة التى هى تشريف قبل أن تكون تكليف؟
أرجوا أن تنتبهوا جيدا للمعنى الخطير الذى نتحدث عنه وهو أن أمة محمد صلي الله عليه وسلم هي المسئولة عن الإسلام فى الأرض ومن أجل هذا لا يوجد أنبياء فى الأرض فى زماننا الحالى، فاذا لم تتحمل هذه الأمة مسئولية هذا الدين تصبح النتيجة الحتمية هى خراب الأرض وهذا هو ما حدث بالفعل. هل علمتم اللآن سبب وضعنا المخزى فى الكرة الأرضية؟! السبب هو نحن، فنحن لم نقم بدورنا المكلفين به من قبل الله سبحانه ونعالى فى هذه الحياة ولأنه لم يعد هناك أنبياء أصبحنا نحن هدى ومحسن وأحمد ومنى وعلى المسئولون عن الأرض بصرف النظر عن حجم معلوماتنا وتديننا فاليعلم كل منا أنه واجبنا أن ناخذ بأيدى البشر وندعوا إلى الله وواجبنا أن نصلح فى الأرض.
هل علمتم الآن لماذا تقول اللآية: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ...َ) (آل عمران:110) ، يقر الله سبحانه وتعالى فى هذه الآية الكريمة بالخيرية لهذه الأمة لأنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وهذا هو الإصلاح فى الأرض، ومن هو الذى يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؟ إنها الأمة أى كل أفراد الأمة ومن هنا يتضح لنا أن هذه المسئولية ليست مقصورة على علماء الأمة وشيوخها فقط بل هى مسئولية كل الأمة.
والأمر الثانى الملاحظ فى هذه الآية الكريمة تقديم الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر على الإيمان بالله سبحانه تعالى وهذا مضاد لما يعتقده الكثير منا حينما يعتقد أنه من الواجب أن يكون مؤمنا جيدا جدا لكى يدعوا إلى الله فإعلم أن الله سبحانه وتعالى ذكر الإصلاح أولا ثم الإيمان لأن الإصلاح يأتى بالإيمان فبينما أنت تصلح يزداد إيمانك، ولكن اذا انتظرت أن يكتمل إيمانك فسيسبق الموت إيمانك أو سيأتى اليوم الذى تعتقد فيه أنه قد كمل إيمانك وبهذا تكون قد غرتك نفسك فأصبحت غير أهلا للدعوة.
انتبهوا لمسئوليتكم لأنه عندما تمكن الشيطان من أن ينسينا مسئوليتنا ضعنا وضاعت الكرة الأرضية. أنت أيها الشاب يا من فى الثامنة عشر من عمرك مسئول عن الأرض فأنت مسئول في كليتك، وأنت أينها الجارة مسئولة عن العمارة التى تقنطينها وعن إصلاح ودعوة جيرانك إلي الله، كلنا محاسبون يوم القيامة عن ذلك ! لذلك قال النبي صلي الله عليه وسلم: "بلغوا عني ولو آية"، ولذلك أيضا كان النبي صلي الله عليه وسلم يختم كل خطبة من خطبه ويقول: "فليبلغ الحاضر الغائب" وكان أيضا يقول صلى الله عليه وسلم "نضر الله وجه إمرؤ سمع مقالتى فوعيها فأداها كما سمعها.".
إدع من حولك من الجيران والأصدقاء إلى الله سبحانه وتعالى بقولك لهم شيئا يحببهم فى الله ودينه أو بإعطائهم شريطا فيه دعوة لله ولكن إياك أن تقول: "لا أعرف" أو "أخجل من محادثة الناس"، ألا يخجلك حال الأرض الآن؟!
وضع الله سبحانه وتعالى القاعدة الأساسية التى تدعوا على أساسها إليه سبحانه وتعالى ألا وهى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (يوسف:108) ، ومنها نتعلم أن الدعوة يجب أن تكون على بصيرة أى على علم فيجب أن نفهم ونعى ونعقل ما نقول وفى هذا يجب أن نتبع الرسول صلى الله عليه وسلم.
وهناك كلمة جميلة قالها ابن القيم وهو محق فيها وهى: "إعلم أن مقام الدعوة إلى الله وإصلاح الأرض أعلي مقامات العبودية لله لأنه مقام محمد صلى الله عليه وسلم ."
عاشت الأرض آلاف الأعوام وأهلها فى عبودية لله ثم بدأت تظهر بعض الشرور بها واستمر تراكم الشرور بها شيئا بشيىء ولا مصلح أو داعى لله يأخذ بزمام الأمر فيدع إلى الله ويقوم مقام الأنبياء فلما تفاقمت الشرور ووصلت إلى قمتها بعث الله نبيا ليصلح الأرض ولكن ما الذي حدث في الأرض لكي يبعث الله سيدنا نوح ؟ إنها قصة الشيطان مع البشرية الذى توعد ذرية بنى آدم حين قال: (قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً) (الاسراء:62)، فأخذ الشيطان يرقب مسيرة الإصلاح في هذه الفترة التى تولى زمامها قبل بعثة سيدنا نوح بفترة من الزمن خمسة مصلحين وهم ودا، سواع، يغوث، يعوق ونسرا. ولم يكن الشيطان يستطيع العمل على إفساد الأرض فى وجود هؤلاء المصلحين الخمسة العاملين علي إصلاح الأرض إلي أن ماتوا فانتهز الشيطان فرصة وفاتهم وعدم ظهور مصلحين آخرين وأخذ الشبطان يعمل على تنفيذ خطته لإفساد الأرض شيئا فشيئا، وبدأ بوسوسة الناس وقال لهم مات المصلحون العظماء فعليكم أن تذهبوا لزيارة قبورهم بإستمرار وبدأت الناس تشعر أنها لابد لها من زيارة قبور هؤلاء المصلحين وبعد فترة وسوس إليهم الشيطان وقال لهم أنا أخشى أن يأتى من بعدكم جيل ينسى هؤلاء المصلحين بما أنهم لم يعاشروهم ولم يعرفوهم قط فاصنعوا لهم التماثيل التى تخلد ذكراهم علي مدار الأجيال، وبالفعل صنعوا لهم التماثيل ورضى الشيطان منهم بهذا لفترة طويلة من الزمن إمتدت إلى خمسين أو ستين أو سبعين عاما إلي مات الجيل الذى عرف المصلحون الخمسة وجاء جيل جديد من الشباب فسوس إليهم سائلا إياهم عن السبب الذى من أجله صنع آبائهم هذه التماثيل ووسوس لهم بالإجابة ألا هى لكى تتوسلوا إليها وتعبدوها لتقربكم إلى الله ومن هنا دخل الكفر والشرك إلي الأرض.
نستفيد بعبرتين من هذا الجزء من قصة سيدنا نوح ألا وهما: أولا أن نتذكر أن النبى صلى الله عليه وسلم قد أبلغ عن الله سبحانه وتعالى أنه: "يبعث الله على رأس هذه الأمة كل مائة عام من يجدد لها أمر دينها" وذلك لأنه لا أنبياء بعد محمد صلى الله عليه وسلم فوجب وجود مصلح من فترة إلى أخرى لأمة الإسلام. والإستفادة الثانية هى أن نفهم جيدا أن الشيطان قد يرضى من الإنسان بمعصية صغيرة لفترة طويلة لكى يوقعه بعدها فيما لم يكن يحتسب أو يتوقع على الإطلاق. ولنا فى هذا القصة التى ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عابد بنى إسرائيل الذى وسوس له الشيطان بالتفرغ لعبادة الله سبحانه وتعالى دون السعى فى إصلاح الأرض واستجاب العابد لنداء الشيطن ونسى مسئوليته فى إصلاح الأرض وتفرغ لعبادة الله ورضى الشيطان منه بهذا لعشر سنوات كاملة وبعدها أراد أن يوقعه الشيطان فى بحر المعاصى وفي يوم من الأيام كان هناك أخوة مسافرون ولهم أخت فوسوس لهم أن يتركوها بجانب العابد حتى يقوم على حمايتها فتركوها عنده وبدأ العابد يقدم لها الطعام والشراب وتطور الأمر حتى وصل إلي الزنا ، وحملت منه البنت وأنجبت مولودا وخاف العابد أن يفتضح أمره فقتلها هى ومولودها ودفنهما ولما رجع الأخوة وسئلوا العابد عن أختهم، قال لهم أنها ماتت ولكنهم لم يصدقوه ونبشوا في القبر فوجدوها ووجدوا الرضيع وهم قتلى فقام الأخوة وعلقوا العابد ليقتلوه فجاءه الشيطان وهو معلق وقال له "أنا الذى قلت لك تفرغ لعبادة الله وأنا الذى فعلت فيك كل هذا ... إسجد لي وأنا أنجيك مما أنت فيه." فسجد الرجل فقبضت روحه وهو علي هذا الوضع! هل تتخيل سوء النهاية بالرغم أن البداية كان تدين وعبودية لله سيحانه وتعالى ولكنه عاش لنفسه وانعزل عن الناس واكتفى بعبوديته لله وترك إعمار الأرض، ولذلك كان مشروع صناع الحياة ليعلم ويفهم المسلمون مرة أخرى دورهم فى الحياة فبتحملوا مرة أخرى مسئوليتهم عن الأرض.
بعث سيدنا نوح عليه السلام واستمر في دعوة قومه ألف سنة إلا خمسون عاما. وما الفرق بين السنة والعام؟ يقول العرب سنة للأيام الصعبة والعام للأيام اليسيرة ولذلك قال سيدنا يوسف عليه السلام: ( ... سَبْعَ سِنِينَ) (يوسف:47) وقال: ( ... عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ ...) (يوسف:49). والمعنى المراد أن سيدنا نوحا اسنمر يدع قومه تسعمائة وخمسين سنة صعبة إلا خمسين عام يسيرة. فكم آمن معه بعد كل هذه السنين؟ ما آمن مع نوح إلا قليلا وقالت أكثر التفاسير آمن معه ثمانون شخصا أى بمعدل شخص كل خمسة عشر عاما وما هى الإفادة هنا؟ الإفادة هنا هى أن الصبر يجب أن يلازم الإصلاح فى الأرض، يجب أن نفهم أن مهمتنا فى الحياة هى إصلاح اللأرض ومقابل هذا نأخذ الأجر من الله ولا يجب أن يأثر فى استمرارنا فى الإصلاح إستجابة الناس لها أو عدمها وهل أتى الإصلاح بنتيجة أم لا ومن أجل هذا ذكرت قصة سيدنا نوح اثنا وخمسون مرة في ثمان وعشرون سورة أغلبهم كانت سور مكية وذلك لأن الصحابة في مكة كانوا فى حاجة إلى الصبر أمام تكذيب قريش لهم، فاصبروا يا شباب واعلموا انه لابد لنا من الصبر لكي نصنع الحياة، ولنا أن نتذكر اللآية القرآنية: (... إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (الزمر:10( أى يحاسب الناس يوم القيامة ولكن أهل الصبر لا يحاسبون.
وما هى الصعاب التى واجهها سيدنا نوح فى سنين دعوته إلى الله سبحانه وتعالى؟ كان قومه يضربونه ضربا مبرحا حتى يغشى عليه فيضعوه في الحصير ويلقوه ويقولون سيموت فيعود إليهم في الصباح يدعوهم إلي الله تبارك وتعالى وقالوا عليه أنه سفيه وضال وبنص القرآن قالوا: (قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (لأعراف:60) قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (لأعراف:61)، وقالوا عنه مجنون وبنص القرآن: (إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ ...) (المؤمنون:25) ، وقالوا عنه كذاب أيضا وبنص القرآن: (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ) (القمر:9) وهذا بالإضافة إلى الإستهزاء والغمز واللمز له: (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ) (هود:38) بل هددوه بالقتل وقالوا: (قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ) (الشعراء:116)، هذه ليست قصة خيالية وليست بفيلم ولكنها حقيقة عاشها نوح عليه السلام لتسعمائة وخمسين سنة. ضحوا يا جماعة لتصلحوا الأرض ولتدعوا إلى الله، تعلموا من سيدنا نوح، أرجوكم إبذلوا بعضا من التضحية، لم يبقى لنا أمل غير هذا فقد أصبح وجهنا في الحائط، فأين لنا أن نذهب بعد هذا؟ ضحي بوقتك، ضحي بجهدك، ضحي برزقك، ضحي بعمرك، وما هى المشكلة إذا ضحيت؟ لم يأت لنا الإسلام علي طبق من ذهب، فالصحابة كثيرا ما ضحوا، تعلموا من سيدنا خباب بن الأرت الذى كانوا يضعوه علي الفحم فما يطفىء الفحم إلا شحم ظهره بعدما يسيح من شدة حرارة النار بينما هو ثابت. لن يحدث لأحد منكم مثل خباب ولكن إبذلوا بعض التضحية منكم من أجل الإسلام ومن أجل إصلاح الأرض، وإقتدوا بأبى بكر الذى دافع عن النبى صلى الله عليه وسلم عندما وجده محاطا بالكفار فقال لهم: "أتقتلون رجلا أن يقول ربى الله؟!"، فما كان إلا أن تركوا النبى صلى الله عليه وسلم والتفوا حوله ويبطح عقبة بن المعيذ أبا بكرا الرجل العظيم المشهور المحترم أرضا ويضع ركبتيه على صدره ويضربه بنعله ويبحث عن وجهه ليضربه بنعله على وجهه حتى إنتفخ وجهه فأصبح لا يرى له أنفا من وجه حتى أغشى عليه فحملوه إلى بيته فأول ما أفاق قال: "ما فعل برسول الله صلى الله عليه وسلم؟"، هل ترون التضحية؟! لم يقل أنا رجل غنى وأخاف على رزقى ورزق أولادى. أما النبى الصادق الأمين كانوا يطصيدوه وهو يمر فى طرقات مكة ويأتوا بقفة التراب ويضعوها على رأسه فيرجع بيته وقد إنهال عليه التراب. وغيروا اسم رسول الله من محمد إلى مذمم وكانوا ينادونه وهو يسير فى الطرق "جاء مذمم وذهب مذمم" ويضحكوا ويتألم الصحابة لأذى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول لهم: "دعوهم فإنهم يشتمون مذمما وأنا محمدا."
أقسم بالله أنكم لو تحركتم للإسلام بعاطفة أبرد من العاطفة التي تجدونها لأبنائكم وآبائكم فى حال موتهم بين أيديكم فلا فائدة منا ولننتظر مائة سنة وننتظر جيلا جديدا. لا أريد أن أقول لكم تعلموا من غير المسلمين، تعلموا من نيلسون مانديلا الذى قضى ستة وعشرون عاما فى السجن دفاعا عن حقوق السود وهذا لأنه يحمل قضية، فما بالكم بالذي يحملون قضية إصلاح الأرض؟!
والآن نعود إلى نوح ونقرأ سورة نوح سويا ونتعلم الصبر والتضحية والإصرار على الدعوة إلي الله وإصلاح الأرض:
)إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (نوح:1) قَالَ يَا قَومِ إِنَّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِيْنٌ (نوح:2) أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (نوح:3) يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُم وَيُؤَخِّرْكُم إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لا يُؤَخَّرُ لَو كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (نوح:4) قَالَ رَبِّ إِنَّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلا وَنَهَارًا (نوح:5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلاَّ فِرَارًا (نوح:6) وإِنَّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (نوح:7) ثُمَّ إِنَّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (نوح:
ثُمَّ إِنَّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرتُ لَهُمْ إِسْرَارًا (نوح:9) فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُم إِنَّه كَانَ غَفَّارًا (نوح:10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِدْرَارًا (نوح:11) وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُم جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَكُمْ أَنْهَارًا (نوح:12) مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (نوح:13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (نوح:14) أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (نوح:15) وَجَعَلَ القَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (نوح:16) وَاللَّهُ أَنْبَتَكُم مِّنَ الأَرْضِ نَبَاتًا (نوح:17) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا (نوح:18) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ بِسَاطًا (نوح:19) لِتَسْلُكُوا مِنهَا سُبُلا فِجَاجًا (نوح:20) قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَارًا (نوح:21) وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (نوح:22) وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (نوح:23) وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلا تَزِدْ الظَّالِمِينَ إِلاَّ ضَلاَلاً (نوح:24) مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجْدُوا لَهُمْ مِن دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا (نوح:25) وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِن الكَافِرِينَ دَيَّارًا (نوح:26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلايَلِدُوا إِلاَّ فَاجِر